فصل: سنة اثنتين وثلاثين ومائة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مرآة الجنان وعبرة اليقظان في معرفة حوادث الزمان وتقليب أحوال الإنسان وتاريخ موت بعض المشهورين من الأعيان **


 سنة تسع عشرة ومائة

فيها توفي إياس بن سلمة بن الأكوع وحبيب بن أبي ثابت فقيه الكوفة ومفتيها وقيس بن سعد المكي صاحب عطاء وكان المفتي بمكة في وقته‏.‏

 سنة عشرين ومائة

فيها توفي أنس بن سيرين وفقيه الكوفة أبو إسماعيل حماد بن أبي سليمان صاحب إبراهيم النخعي روى عن أنس بن مالك وسعيد بن المسيب وطائفة وكان سريا محتشما يفطر كل ليلة في رمضان خمس مائة إنسان وقال شعبة‏:‏ كان صدوق اللسان وعاصم بن عمر بن قتادة بن النعمان الأنصاري شيخ محمد بن إسحاق وكان اخبارياً علامة بالمغازي وأبو معبد عبدالله بن كثير الكناني مولاهم الفارسي الأصل قارىء أهل مكة وقاضي الجماعة فيها وهو من الطبقة الثانية من التابعين قرأ على عبدالله بن السائب المخزومي وعلى مجاهد وحدث عن أبي الزبير وغيره‏.‏

وفيها توفي علقمة بن مرثد الحضرمي الكوفي كان نبيلاً في الحديث وقيس بن مسلم ومحمد بن إبراهيم التيمي المدني الفقيه‏.‏

 سنة احدى وعشرين ومائة

فيها توفي مسلمة بن عبد الملك بن مروان وكان موصوفاً بالشجاعة والاقدام والرأي والدهاء قتل زيد بن علي بن الحسين بن علي بالكوفة وكان قد بايعه خلق كثير وحارب متولي العراق يومئذ الأمير يوسف بن عمر الثقفي فقتله يوسف المذكور وصلبه قلت وقد يتوهم بعض الناس أن يوسف بن عمر الثقفي هذا أبو الحجاج وليس كذلك بل الحجاج بن يوسف عم أبيه فإنه يوسف بن عمر بن محمد بن يوسف هكذا ذكر بعض المؤرخين نسبه ولما خرج زيد أتته طائفة كثيرة وقالوا له تبرأ من أبي بكر وعمر حتى نبايعك فقال‏:‏ بل أتبرأ ممن يتبرأ منهما‏.‏

فقالوا‏:‏ اذن نرفضك فمن ذلك الوقت سموا الرافضة وسميت شيعة زيد زيدية‏.‏

 سنة اثنتين وعشرين ومائة

فيها توفي قاضي البصرة إياس بن معاوية بن قرة المزني اللسن البليغ والألمعي المطيب والمعدوم مثلاً في الذكاء والفطنة ورأساً لأهل البيان والفصاحة كان صادق الظن لطيفاً في الأمور مشهوراً بفرط الذكاء وإياه عنى الحريري بقوله في المقامة السابعة‏:‏ فإذا ألمعيتي ألمعية ابن عباس وفراستي فراسة إياس أحد من يضرب به المثل في الذكاء وهو المشار إليه في قول أبي تمام‏:‏ إقدام عمرو في سماحة حاتم في حلم أحنف في ذكاء إياس ولي قضاء البصرة في خلافة عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه وقيل لوالده معاوية بن قرة‏:‏ كيف ابنك لك قال‏:‏ نعم‏.‏

الابن كفاني أمر دنياي وفرغني لآخرتي وكان إياس المذكور أحد العقلاء الفضلاء الدهاة‏.‏

ويحكى من فطنته أنه كان في موضع فحدث فيه ما يقتضي الخوف وهناك ثلاث نسوة لا يعرفهن فقال‏:‏ ينبغي أن يكون هذه حاملاً وهذه مرضعاً وهذه عذراء فكشف عن ذلك فكان كما تفرس فقيل له من أين لك هذا فقال‏:‏ عند الخوف لا يضع الإنسان يده إلا على أعز ما له ويخاف عليه فرأيت الحامل وضعت يدها على جوفها فاستدللت بذلك على حملها والمرضع وضعت يديها على ثديها فعلمت أنها مرضع والعذراء وضعت يدها بين رجليها أوكما قال فعلمت أنها بكر‏.‏

وسمع يهودياً يقول‏:‏ ما أحمق المسلمين يزعمون أن أهل الجنة يأكلون ولا يحدثون فقال له‏:‏ افكلما تأكله تحدثه قال‏:‏ لا لأن الله تعالى يجعله غذاء قال‏:‏ فلم تنكر أن تعالى يجعل كل ما يأكله أهل الجنة غذاء‏.‏

ونظر يوماً إلى آجرة بالرحبة وهو بمدينة واسط فقال‏:‏ تحت هذه الآجرة دابة‏.‏فرفعوا الآجرة فإذا تحتها حية منطوية فسألوه عن ذلك فقال‏:‏ اني رأيت ما بين الآجرتين ندياً من بين تلك الرحبة فعلمت أن تحتها شيئاً يتنفس‏.‏

وقال رأيت في المنام كأني وأبي على فرسين فجريا معاً فلم أسبقه ولم يسبقني وعاش أبي ستاً وسبعين سنة وها أنا فيها فلما كانت آخر لياليه قال‏:‏ هذه ليلة استكمل فيها عمر أبي ونام فأصبح ميتاً رحمه الله تعالى‏.‏

وله من ذا غرائب وعجائب يعجز عن حصرها الكاتب‏.‏

وكتب عمر بن عبد العزيز إلى نائبه بالعراق عدي بن أرطأة أن أجمع بين إياس بن معاوية والقاسم بن ربيعة الجرشي قبول قضاء البصرة أنفذهما فجمع بينهما فقال إياس‏:‏ ايها الأمير سل عني وعنه فقيهي المصر الحسن وابن سيرين وكان القاسم يأتيهما وإياس لا يأتيهما فعلم القاسم أنه إن سألهما أشارا به فقال‏:‏ لا تسأل عنه ولا عني فوالله الذي لا إله إلا هو إنه أفقه وأعلم بالقضاء مني‏.‏

فإن كنت كاذباً فما يحل لك أن توليني وأنا كاذب وإن كنت صادقاً فينبغي لك أن تقبل قولي فقال له إياس إنك جئت برجل أوقفته على شفير جهنم فنحى نفسه عنها بيمين كاذبة يستغفر الله تعالى منها وينجو مما يخاف فقال عدي بن أرطأة‏:‏ اما إذ فهمتنا فأنت لها فاستقضاه‏.‏

وروي عن إياس إنه قال ما غلبني أحد قط سوى رجل واحد وذلك أني كنت في مجلس القضاء فدخل علي رجل شهد عندي أن البستان الفلاني وذكر حدوده هو ملك فلان فقلت له كم عدد شجره فسكت ثم قال‏:‏ لي منذ كم يحكم سيدنا القاضي في هذا المجلس فقلت‏:‏ منذ كذا‏.‏

فقال‏:‏ كم عدد خشب سقفه فقلت‏:‏ الحق معك وأجزت شهادته‏.‏

وكان يوماً في برية فأعوزهم الماء وسمع نباح كلب فقال‏:‏ هذا على رأس بير فاستقرؤوا النباح فوجدوه كما قال فقيل له في ذلك فقال‏:‏ لأني سمعت الصوت كالذي يخرج من بير أو قال كأنه سنة ثلاث وعشرين ومائة فيها توفي بالبصرة السيد الجليل الولي الكبير الفاضل الشهير ثابت البناني من سادات التابعين علماً وشغلاً وعبادة وزهداً وفيها توفي سماك بن حرب الهذلي الكوفي أحد الكبار قال أدركت ثمانين من الصحابة وذهب بصري فدعوت الله عز وجل فرده علي‏.‏

وفيها توفي السيد الجليل الولي الحفيل محمد بن واسع الأزدي الملقب زين القراء ذو الفضائل المشهورة والسيرة المشكورة الذي قال فيه بعضهم‏:‏ كنت إذا وجدت فترة أو قال قسوة نظرت في وجه محمد بن واسع فاعمل على ذلك جمعة وقال شهراً والذي قال له مالك بن دينار‏:‏ ما أحوج مثلي بمعلم مثلك لما نبهه على بعض دقائق الورع في قضية ذكرتها في غير هذا الكتاب‏.‏

 سنة أربع وعشرين ومائة

فيها توفي في رمضان الإمام أبو بكر محمد بن مسلم بن عبيدالله بن عبدالله بن شهاب الزهري أحد الفقهاء والمحدثين والأعلام التابعين حفظ علم الفقهاء السبعة ورأى عشرة من الصحابة رضي الله عنهم سمع من سهل بن سعد وأنس بن مالك وخلائق وروى عنه جماعة من الأئمة منهم مالك بن أنس وسفيان الثوري وسفيان بن عيينة‏.‏

قال ابن المديني‏:‏ له نحو الذي حديث وكان قد حفظ علم الفقهاء السبعة وقال عمر بن عبد العزيز‏:‏ لم يبق اعلم بسنة ماضية من الزهري وكذا قال مكحول‏.‏

وقال الليث‏.‏

قال ابن شهاب‏:‏ ما استودعت قبي علماً فنسيته‏.‏

وقال غيره‏:‏ من أهل العلم كان معظماً وافر الحرمة عند هشام بن عبد الملك أعطاه مرة سبعة آلاف دينار‏.‏

وقال عمرو بن دينار ما رأيت الدينار والدرهم عند أحد أهون منه عند الزهري كأنها عنده بمنزلة البعر وكان إذا جلس في بيته وضع كتبه حوله فيشتغل بها عن كل شيء من أمور الدنيا فقالت له امرأته‏:‏ و الله لهذه الكتب أشد علي من ثلاث ضرائر ولم يزل مع عبد الملك ثم مع هشام بن عبد الملك واستقضاه يزيد بن عبد الملك‏.‏وحضر يوماً مجلس هشام وعنده أبو الزناد عبدالله بن ذكوان فقال هشام‏:‏ اي شهر كان يخرج العطاء فيه لأهل المدينة فقال الزهري‏:‏ لا أدري‏.‏

فسأل أبا الزناد فقال‏:‏ في المحرم‏.‏

فقال هشام للزهري‏:‏ يا أبا بكر هذا علم استفدته اليوم فقال‏:‏ مجلس المؤمنين أهل أن يستفاد منه العلم وقيل له الزهري بضم الزاي نسبة إلى زهرة ين كلاب بن مرة‏:‏ فخذ من أفخاذ قريش‏.‏

ومنهم آمنة بنت وهب أم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعبد الرحمن بن عوف كما تقدم وخلق كثير من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين‏.‏

فيها توفي أبو الوليد هشام بن عبد الملك الأموي خليفتهم وكانت ولايته عشرين سنة إلا شهراً وكانت داره عند الحوامر بدمشق فعمل منها السلطان نور الدين مدرسة وكان ذا رأي وحزم وحلم وجمع للمال عاش أربعاً وخمسين سنة وكان أبيض جميلاً يخضب بالسواد‏.‏

ومما يحكى عن هشام بن عبد الملك أنه خرج ذات يوم إلى الصيد فنظر إلى ظبي فتبعه فأحالته الكلاب إلى أن وصل به إلى صبي يرعى غنماً فقال له‏:‏ يا صبي دونك الظبي أيتني به‏.‏

فقال له الصبي‏:‏ فقدت الحياة لو نظرت إلي باستصغار وعاشرتني باحتقار وكلامك كلام جبار وفعلك فعل حمار‏.‏

قال‏:‏ يا غلام أو لم تعرفني قال بلى قد عرفني بك سوء أدبك إذ بدأتني بكلامك قبل سلامك‏.‏

قال له‏:‏ و أنا هشام بن عبد الملك‏.‏

قال‏:‏ لا قرب الله دارك ولا حيا قرارك‏.‏قال‏:‏ فوألله ما استتم كلامه حتى أحدقت به الخيول والجيوش من كل جانب ومكان كل له يقول السلام عليك يا أمير المؤمنين السلام عليك يا أمير المؤمنين فقال‏:‏ اقصروا من السلام واحفظوا بالغلام والحقوني به قال‏:‏ ثم ركب مغضباً إلى داره فلما وصل إلى داره وركب على سرير ملكه أقبلت إليه الحرفاء والوزراء والأمراء والكتاب كل يقول السلام عليك يا أمير المؤمنين السلام عليك يا أمير المؤمنين وذلك الصبي ساكت قد أرسل ذقنه على صدره وقرن عينيه وسكت عن الكلام وامتنع عن السلام‏.‏

فقال له بعض الوزراء‏:‏ يا كلب العرب ما منعك أن تسلم على أمير المؤمنين قال‏:‏ يا بردعة الحمار منعني من ذلك طول الطريق ونهر الدرجة‏.‏

فقال له بعض الحرفاء‏:‏ يا جحش العرب بلغ من فضولك أن تخاطب أمير المؤمنين كلمة بكلمة‏.‏فقال‏:‏ رمتك الجندل ولامك الهبل أو ما سمعت قول الله عز وجل في كتابة المنزل على نبيه المرسل ‏"‏ يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها ‏"‏ - النحل‏:‏ 111 - فإذا كان الله تعالى يجادل جدالاً فمن هشام حتى لا يخاطب خطاباً فعند ذلك اغتاظ الملك من كلامه وقال‏:‏ علي برأس الغلام فقد أكثر الكلام فوضع ذلك الصبي في نطع الدم وخرد سيف النقمة ليضرب عنقه فقال له الضراب‏:‏ يا سيدي عبدك المذل بنفسه المنقلب إلى رمسه أضرب عنقه وأنا بريء من دمه‏.‏

قال‏:‏ اضرب عنقه‏:‏ فاستأذنه ثانية فأذن له ثم استأذنه ثالثة فأذن له فضحك ذلك الصبي وهو في نطع الدم فقال أقيموه ثم قال له‏:‏ يا غلام أنت تضحك في الممات وتجادل في الحياة اتستهزىء بنا أم بنفسك قال‏:‏ يا أمير المؤمنين اسمع مني كلمتين وأفعل ما بدا لك قال‏:‏ قل قال‏:‏ فوالله إن هذا أول أوقاتي من الآخرة وآخر أوقاتي من الدنيا فوالله لئن كان من المدة تقصير وفي الأجل تأخير لا يضرني من كلامك هذا لا قليل ولا كثير ولكن يا أمير المؤمنين أبيات من الشعر حضرتني اسمعها مني قل‏:‏ قال‏:‏ فقال‏:‏ نبئت أن الباز خلف مرة عصفور برساقه المقدور ما في ما يغني لمثلك شبعة ولئن أكلت فأنني لحقير فتعجب الباز المدل بنفسه عجباً وأفلت ذلك العصفور قال فخر هشام بن عبد الملك على وجهه ضاحكاً وقال‏:‏ و الله لو تلفظ بهذا الكلام في وقت من أول أوقاته وطلب ما دون الخلافة لأعطيته إياه يا غلام احش فاه دراً وجوهراً قال‏:‏ فحشى فاه دراً وجوهراً وأعطاه الجائزة والكسوة وراح إلى أهله مسروراً‏.‏

وفي السنة المذكورة توفي أبو سعيد بن أبي سعيد المقبري روى عن سعد بن أبي وقاص وأكثر عن أبي هريرة رضي الله عنه‏.‏

وفيها توفي أشعث بن أبي الشعثاء المحاربي الكوفي‏.‏

وتوفي أبو عبدالله محمد بن علي بن عبدالله بن عباس الهاشمي والد السفاح والمنصور عاش ستين سنة وكان وسيماً جميلاً مهيباً نبيلاً وكانت دعاة بني العباس يكاتبونه يلقبونه بالإمام وكان سبب انتقال الخلافة إلى بني العباس أن محمد ابن الحنفية كانت الشيعة تعتقد إمامته بعد أخيه الحسين فلما توفي محمد ابن الحنفية انتقل الأمر إلى ولده أبي هاشم وكان عظيم القدر وكانت الشيعة تتولاه فحضرته الوفاة بالشام ولا عقب له فأوصى إلى محمد بن علي المذكور وقال له أنت صاحب هذا الأمر وهو في ولدك ودفع إليه كتبه وصرف الشيعة نحوه ولما حضر محمد الوفاة أوصى إلى ولده إبراهيم المعروف بالإمام فلما حبسه مروان بن محمد آخر ملوك بني أمية وتحقق أن مروان يقتله أوصى أخيه السفاح وهو أول من ولي الخلافة من أولاد العباس‏.‏

هذه خلاصة الأمر والشرح فيه طويل‏.‏

وفيها وقيل في سنة أربع توفي يزيد بن أبي أنيسة الجزري الرهاوي بضم الراء الحافظ أحد علماء الجزيرة عاش أربعين سنة روى عن جماعة من التابعين‏.‏

وفيها أو بعدها توفي زيادة بن علاقة الثعلبي الكوفي روى عن طائفة وكان معمراً ادرك ابن مسعود وسمع من جرير بن عبدالله وصالح مولى التوأمة المدني‏.‏

 سنة ست وعشرين ومائة

فيها في جمادى الآخرة قتل خليفتهم الوليد بن يزيد بن عبد الملك وكانت ولايته سنة وثلاثة أشهر وكان من أجمل الناس وأقواهم وأجودهم نظماً ولكن ذكروا عنه أشياء قبيحة في الدين والعرض أكره ذكرها والله أعلم بذلك قالوا‏:‏ و لذلك قاموا عليه مع ابن عمه يزيد بن الوليد الملقب بالناقص لكونه نقص الجند عطياتهم وبويع ليزيد بن المذكور فمات في العشرين من ذي الحجة في السنة المذكورة وله ست وثلاثون سنة وكان فيه زهد وعدل وخير ولكن كان قدرياً‏.‏

قال الإمام الشافعي رضي الله‏:‏ ولي يزيد بن الوليد فدعا الناس إلى القدر وحملهم عليه‏.‏

وفيها وقيل في سنة تسع وقيل في سنة خمس وعشرين ومائة توفي عمرو بن ديناراليمني الصنعاني عن ثمانين سنة من أبناء الفرس الذين أرسلوا مع سيف بن ذي يزن وتوالدوا في اليمن تفقه عمرو بن دينار عن ابن عباس وابن عمر وجابر بن عبدالله زيد وطاوس والزهري وسعيد بن جبير وسكن مكة وعده الشيخ أبو إسحاق هو وعطاء في فقهاء التابعين بمكة اخذ عنه سفيان بن عيينة الهلالي المكي أحد شيوخ الشافعي وأبو الوليد بن عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج قال سفيان بن عيينة‏:‏ قيل لعطاء‏:‏ بمن تأمر قال بعمرو بن دينار وقال طاوس لابنه‏:‏ يا بني إذا قدمت مكة فجالس عمرو بن دينار فإن أذن قمع العلماء يعني القمع بكسر القاف وسكون الميم وبعدها عين مهملة إناء واسع الأعلى ضيق الأسفل يصب فيه الدهن ونحوه فينزل في إناء تحته لئلا يتبدد‏.‏

وفيها توفي عبد الرحمن بن القاسم بن محمد بن أبي بكر المدني الفقيه كان إماماً ورعاً كثير العلم وفيها توفي سعيد بن مسروق والد سفيان الثوري رحمه الله‏.‏

وفيها هلك تحت العذاب الشاق خالد بن عبدالله القسري الدمشقي أمير العراق تولى من قبل هشام بن عبد الملك وولي قبل ذلك مكة وكان معدوداً من خطباء العرب المشهورين بالفصاحة والبلاغة وكان جواداً كثير العطاء خل فيه عليه شاعر يوم جلوسه للشعراء وكان قد أراد مدحه ببيتين فلما رأى اتساع الشعراء في القول استصغر قوله فسكت حتى انصرفوا فقال له خالد‏:‏ ما حاجتك قال‏:‏ مدحت الأمير فلما سمعت قول الشعراء احتقرت بيتي فقال‏:‏ و ما هما فأنشدته‏:‏ فأنت الندى وابن الندى وأبو الندى حليف الندى ما للندى عنك مذهب فقال‏:‏ ما حاجتك فقال علي دين‏.‏

فأمر بقضائه وأعطاه مثله‏.‏

وكتب إليه هشام بن عبد الملك‏:‏ بلغني أن رجلاً قام إليك فقال‏:‏ ان الله جواد وأنت جواد وإن الله كريم وأنت كريم حتى عد عشر خصال والله لئن لم تخرج من هذا لأستحلن دمك‏.‏

فكتب إليه خالد‏:‏ نعم يا أمير المؤمنين قام إلي فلان فقال‏:‏ ان الله كريم يحب الكريم فأنا أحبك بحب الله إياك ولكن أشد من هذا مقام ابن سقي البجلي إلى أمير المؤمنين فقال خليفتك أحب إليك أم رسولك فقال‏:‏ بل خليفتي‏.‏

فقال‏:‏ انت خليفة الله ومحمد رسول الله والله لقتل رجل من بجيلة أهون على العامة والخاصة من كفر أمير المؤمنين هكذا ذكره الطبري في تاريخه ان هشاماً عزل خالداً عن العراقين وولي يوسف بن عمر الثقفي ابن عمر الحجاج مكانه وأمر بمحاسبة خالد وعماله فأخذ خالداً وعماله وحبسه وعذبه بأن وضع قدميه بين خشبين وعصرهما حتى انقصفا ثم إلى وركيه ثم إلى صلبه فلما انقصفت صلبه ومات وهو في ذلك لا يتأوه ولا ينطق وكان ذلك في الحيرة منزل نعمان بن المنذر أحد ملوك العرب على فرسخ من الكوفة ولما كان خالد في السجن مدحه أبو الأشعث العبسي بهذه الأبيات‏:‏ ألا أن خير الناس حياً وميتاً أسير ثقيف عندهم في السلاسل لقد كان نهاضاً بكل ملمة ومعطي اللها غمراً كثير النوافل وقد كان يبني المكرمات لقومه ومعطي اللها في كل حق وباطل يعني باللها العطية‏.‏

يقال فلان يعطي اللها‏:‏ اذا كان جواداً يعطي الشيء الكثير‏.‏

وكان يوسف قد جعل على خالد في كل يوم حمل مال معلوم أن لم يقم به من يومه عذبه فلما مدحه العبسي بهده الأبيات كان قد حصل من قسط يومه سبعين ألف درهم فأنفذها إليه فقال اعذرني فقد ترى ما أنا فيه فردها وقال لم أمدحك لمال وأنت على هذه الحالة ولكن لمعروفك وافضالك فأنفذها إليه ثانياً فاقسم عليه لتأخذنها فأخذها وبلغ ذلك يوسف فدعاه وقال ما جرأك على فعلك ألم تخش العذاب فقال لئن أموت عذاباً أسهل علي من كفي لاسيما على من مدحني‏.‏

وذكر أبو الفرج الأصفهاني أن خالداً كان من ولد شق الكاهن وذكروا أنه كان شق ابن خالة سطيح الكاهن وكان شق وسطيح من أعاجيب الدنيا‏.‏أما سطيح فكان جسداً ملقى لا جوارح له وكان وجهه في صدره ولم يكن له رأس ولا عنق وكان لا يقدر على الجلوس إلا إذا غضب انتفخ فجلس وقيل كان يطوى مثل الأديم وينقل من مكان إلى مكان إذا أراد الانتقال وكان شق نصف إنسان وكانت له يد واحدة ورجل واحدة وفتح عليهما في الكهانة ما هو مشهور عنهما وكان ولادتهما في يوم واحد‏.‏

وفي ذلك اليوم توفيت ظريفة الكاهنة الحميرية زوجة عمر ومزيقيا بن عامر ماء السماء‏.‏

ولما ولد ادعت لكل واحد منهما وتفلت في فيه وزعمت أنه سيخلفها في كهانتها ثم ماتت لساعتها ودفتت في الجحفة وعاش كل واحد من شق وسطيح‏.‏

وسطيح هو الذي بشر بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وقصته في تأويل الرويا مشهورة وذكرها مستوفي في السيرة‏.‏

وفي السنة المذكورة توفي الكميت الأسدي الشاعر‏.‏

 سنة سبع وعشرين ومائة

فيها سار مروان بن محمد بن مروان من أرمينية إلى دمشق يطلب الأمر لنفسه لما بلغه وفاة يزيد الناقص فجهز إبراهيم الخليفة أخويه بشراً ومسروراً بالجيش فكسرهما مروان وحبسهما ثم نزل بمرج دمشق فحاربه سليمان بن هشام بن عبد الملك ثم انهزم سليمان فعسكر خليفتهم ابن الوليد بظاهر دمشق وبذل الخزائن فخذلوه فهرب وبايع الناس مروان فأتاه إبراهيم فخلع نفسه وبايع مروان‏.‏

وفي السنة المذكورة قتل يوسف بن عمر الثقفي الذي كان أمير العراق في السجن بدمشق ذكر بعض المؤرخين أنه ولى هشام بن عبد الملك يوسف بن عمر اليمن فلم يزل والياً بها حتى كتب له هشام أن سر إلى العراق فقد وليتك إياه وإياك أن يعلم بك واشفني من ابن النصرانية يعني خالد بن عبدالله القسري وكان والياً عل العراق فاستخلف يوسف ابنه الصلت على اليمن وسار إلى العراق في سبعة عشر يوماً ودخل المسجد مع الفجر فأمر المؤذن بالإقامة فقال‏:‏ حتى يأتي الإمام فانتهره فأقام وتقدم يوسف فصلى وقرأ إذا وقعت الواقعة وسأل سائل ثم أرسل إلى خالد وخليفته طارق وأصحابهما وكان طارق قد ختن ابنه فأهدي إليه ألف عتيق وألف وصيف وألف وصيفة سوى المال والثياب فحبس يوسف خالداً فصالحه أبان بن الوليد عنه وعن أصحابه بتسعة آلاف ألف درهم ثم ندم يوسف وقيل له لو لم تقبل هذا المال لأخذت منه مائة ألف ألف درهم وقيل غير ذلك مع قصص يطول ذكرها وعاقبة ذلك أنه مات خالد المذكور تحت العذاب الشاق وقد تقدم ذكر ذلك في ترجمته في سنة ست وعشرين‏.‏

ثم آل الأمر بعد أمور يطول ذكرها إلى أن تولى يزيد بن الوليد بن عبد الملك واطاعة أهل الشام وانبرم له الأمر فولى منصور بن جمهور العراق فبلغ خبره يوسف بن عمر فهرب وسلك طريق السماوة حتى أتى إلى البلقاء فاستخفى بها وكان أهله مقيمين فيها فلبس زي النساء وجلس بينهن فبلغ يزيد بن الوليد خبره فأرسل إليه من يحضره فوصل إليه وأخذه بعد أن فتش عليه كثيراً فوجده جالساً على تلك الهيئة بين نسائه وبناته فجاءوا به في وثاق فحبسه يزيد عند الحكم وعثمان ابني الوليد بن يزيد وكان يزيد بن الوليد قد حبسهما عند قتله أباهما في الحضراء وهي دار بدمشق مشهورة قبل جامعها‏.‏

قال ابن خلكان وقد خربت ومكانها معروف عندهم فأقام يوسف بن عمر في السجن إلى أن مات يزيد بن الوليد وتولى بعده أخوه إبراهيم بن الوليد ومن بعده عبد العزيز بن الحجاج ثم تولى بعد الكل مروان بن محمد آخر ملوك بني أمية وغلب على الأمر خافت جماعة إبراهيم بن الوليد أن يدخل مروان دمشق فيخرج الحكم وعثمان ابني الوليد من السجن ويجعل لهما الأمر فيفتكان فيهم فأجمع رأيهم على قتلهما فأرسلوا يزيد بن خالد القسري ليتولى ذلك فانتدب في جماعة من أصحابه لذلك فدخلوا السجن وشدخوا الغلامين بالعمد وأخرجوا يوسف بن عمر فضربوا عنقه لكونه قتل خالد بن عبدالله القسري والد يزيد المذكور‏.‏

ولما قتلوه أخذوا رأسه عن جسده وشدوا أرجله وقتل في مذاكيره حبل وهو يجر في ذلك الموضع نعوذ بالله من جميع الشرور ونسأله حسن عاقبة الأمور‏.‏

وفيها توفي الحكم وعثمان ولدا الوليد بن عبد الملك المذكوران‏.‏

وفيها توفي عبدالله بن دينار‏.‏

مولى ابن عمر وعمير بن هاني العنسي بالنون بعد العين المهملة الداراني روى عن أبي هريرة وعن معاوية قال له عبد الرحمن بن يزيد بن جابر‏:‏ اراك لا تفتر من الذكر فكم تسبح قال‏:‏ مائة ألف إلا أن يخطي الأصابع رحمه الله تعالى‏.‏

وفيها توفي عبد الرحمن بن مالك الحراني الحافظ ووهب بن كيسان وقاضي المدينة سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري‏.‏

قال شعبة‏:‏ كان يصوم الدهر ويختم كل يوم وقيل مات في سنة ست والإمام السدي المفسر الكوفي المشهور‏.‏

وفيها وقيل في سنة ثمان توفي أبو إسحاق السبيعي شيخ الكوفة وعالمها عاش نحو المائة‏.‏

وفيها توفي السيد الكبير الولي الشهير ذو الإيمان الوثيق والورع الدقيق والمناقب العديدة والسيرة الجميلة الجليل الفضل والمقدار‏:‏ ابو يحيى مالك بن دينار صاحب الهمة العلية والفضائل السنية روي أنه أقام أربعين سنة لم يأكل من رطب البصرة ولا من تمرها‏.‏

وروي أنه قد وقع حريق في البصرة فقال شباب الحي بيت أبي يحيى مالك بن دينار فخرج متزراً ببارية وبيده مصحف وقال‏:‏ فاز المخففون أو قال‏:‏ نجا المخففون وكان عالماً زاهداً ورعاً لا يأكل إلا من كسبه وكان يكتب المصاحف بالأجرة‏.‏

وحكى أبو القاسم بن خلف الأندلسي في كتابه قال‏:‏ بينا مالك بن دينار يوماً جالساً إذ جاءه رجل فقال‏:‏ يا أبا يحيى ادع الله لامرأة حبلى منذ أربع سنين قد أصبحت في كرب شديد فغضب المالك وأطبق المصحف ثم قال‏:‏ ما يرى هؤلاء القوم إلا أننا أنبياء ثم قرأ ثم دعا فقال‏:‏ اللهم هذه المرأة إن كان في بطنها جارية فأبدلها بها غلاماً فإنك تمحو ما يشاء وتثبت وعندك أم الكتاب ثم رفع مالك يده فما حطها حتى طلع الرجل من باب المسجد وعلى رقبته غلام ابن أربع سنين قد استوت أسنانه وما قطعت جراره‏.‏وقال مالك‏:‏ لو قيل ليخرج شر من في المسجد ما سبقني إلى الباب أحد وقيل له‏:‏ الا تستسقي له فقال‏:‏ انتم تنتظرون المطر وأنا أنتظر الحجارة قلت وقد اقتصرت من ذكر فضائله الكثيرة على هذه الألفاظ اليسيرة‏.‏

 سنة ثمان وعشرين ومائة

فيها ظهر الضحاك بن قيس الخارجي وقتل متولي الموصل واستولى عليها وكثرت جموعه وأغار على البلاد فخافه مروان فسار بنفسه فالتقى الجيشان بنصيبين وكان قد أشار على الضحاك أمراؤه أن يتقهقر فقال‏:‏ ما لي في ديناكم من حاجة وقد جعلت لله علي إن رأيت هذا الطاغية أن أحمل عليه حتى يحكم الله بيننا وعلي دين سبعة دراهم معي منها ثلاثة دراهم فدار الحرب إلى آخر النهار وقتل الضحاك في المعركة في نحو ستة آلاف من الفريقين اكدرهم من الخوارج وانهزم مروان ولكن ثبت أمير الميمنة وجاء بعض الخوارج فملك مخيم مروان وقعد على سريره فنظف نحو ثلاثة آلاف فأحاطت بذلك الخارجي فقتل وقام بأمر الخوارج شيبان فتحيز بهم فخندقوا على نفوسهم وجاء مروان فنازلهم وقاتلهم عشرة أشهر كل يوم راية مروان مكسورة وكانت فتنة هائلة تشبه فتنة الأشعث من الحجاج ثم رحل شيبان نحو شهرزور ثم توجه إلى كرمان ثم كر إلى ناحية البحرين فقتل هناك وفيها ولي العراقين يزيد وفيها توفي عاصم بن أبي النجود الأزدي مولاهم قارىء الكوفة في زمانه وأحد القراء السبعة وكان صالحاً حجة للقرآن صدوقاً في الحديث قرأ على عبد الرحمن السلمي وزر بن حبيش رضي ‏"‏ الله عنهم‏.‏

وفيها توفي يحيى بن يعمر العدواني البصري كان تابعياً لقي عبدالله بن عمر وعبدالله بن عباس‏.‏

وغيرهما من الصحابة وروى عنه قتادة السدوسي وإسحاق العدوي وهو أحد القراء بالبصرة وانتقل إلى خراسان وتولى القضاء بمرو وكان عالماً بالقرآن الكريم والنحو ولغات العرب اخذ النحو عن أبي الاسود الديلي وكان يحيى المذكور من الذين يقولون بتفضيل أهل البيت على غيرهم من غير تنقيض لذي فضل من غيرهم‏.‏

وحكى عاصم بن أبي النجود المقري إن الحجاج بن يوسف الثقفي كتب إلى قتيبة بن مسلم وإلى خراسان أن أبعث إلي يحيى بن يعمر فبعث به إليه فلما قام بين يديه قال‏:‏ انت الذي تزعم أن الحسن والحسين من ذرية رسول الله والله لآلقين الأكثر منك شعراً أو لتخرجن من ذلك‏.‏

فقال‏:‏ فهو أماني إن خرجت قال‏:‏ نعم قال فإن الله جل ثناؤه يقول ‏"‏ ووهبنا له إسحاق ويعقوب كلا هدينا ونوحاً هدينا من قبل ومن ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين ‏"‏ - الأنعام‏:‏ 84 - وزكريا ويحيى وعيسى الآية وما بين عيسى وإبراهيم أكثر مما بين الحسن والحسين ومحمد صلى الله عليه وآله وسلم‏.‏

فقال له الحجاج ما أراك إلا قد خرجت والله لقد قرأتها وما عملت بها قط وهذا من الاستنباطات البديعة الغريبة المجيبة فلله دره ما أحسن ما استنبط مع شدة التهديد من ما في وعيده أفرط قال عاصم‏:‏ ثم إن الحجاج قال له‏:‏ اين ولدت قال‏:‏ بالبصرة قال‏:‏ ايزننشأت قال‏:‏ بخراسان قال‏:‏ فهذه العربية إني مع ذلك قال‏:‏ رزق قال‏:‏ خبرني عني هل ألحن فسكت‏.‏

فقال‏:‏ اقسمت عليك‏.‏

قال‏:‏ اما إذا سألتني أيها الأمير فإنك ترفع ما يوضع وتضع ما يرفع‏.‏

قال‏:‏ ذلك والله اللحن السيىء وقال ثم كتب إلى قتيبة إذا جاءك كتابي هذا فاجعل يحيى بن يعمرعلى قضاءك والسلام‏.‏

وعن يونس بن حبيب قال‏:‏ قال الحجاج ليحيى بن يعمر‏:‏ اتسمعني ألحن قال في حرف واحد قال في أي قال في القرآن قال ذلك أشنع ما هو قال تقول‏:‏ قل إن كان أباؤكم وأبناؤكم إلى قوله أحب إليكم فتقرأها بالرفع قال الراوي‏:‏ كأنه لما طال الكلام نسي ما ابتدأ به قال الحجاج‏:‏ لا جرم لا تسمع لحناً أبداً وقال‏:‏ خالد الحذاء‏:‏ كان لابن سيرين مصحف منقوط نقطه يحيى بن يعمر وكان ينطق بالعربية المحضة واللغة الفصحاء طبعه فيه غير متكلف وأخباره ونوادره كثيرة‏.‏

وفيها توفي أبو عمران الجوني البصري وأبو الزبير المكي محمد بن مسلم أحد العقلاء والعلماء وفيها فقيه مصر وشيخها أبو رجاء بن أبي حبيب الأزدي مولاهم قال لليث‏:‏ هو مولانا وسيدنا‏.‏

في رمضان منها كان ظهور أبي مسلم الخراساني صاحب الدعوة لبني العباس بمرو‏.‏

وفيها توفي عالم المغرب وعابدها خالدبن أبي عمران التجيبي التونسي قاضى إفريقية‏.‏

وفيها توفي على الصحيح يحيى بن أبي كثير أبو نصر أحد الأعلام في الحديث وفيها توفي قاري المدينة الزاهد العابد أبو جعفر يزيد بن القعقاع اخذ عن أبى هريرة وابن عباس وقرأ عليه نافع وله ذكر في سنين أبي داود‏.‏

 سنة ثلاثين ومائة

فيها وقيل فى السنه الآتية توفي السيد الفقيه القدوة الحافظ القانت الزاهد محمد بن المنكدر وسمع من عائشة وأبي هريرة وكان بيته مأوى الصالحين ومجتمع المفلحين من الزاهدين والعابدين‏.‏

وتوفي فيها يزيد بن رومان المدني احد شيوخ نافع في القراءة رحمه الله‏.‏

 سنه إحدى وئلاثين ومائه

فيها استولى أبو مسلم صاحب الدعوة على ممالك خراسان وهزم الجوش وأقبلت دولة بني العباس وولت دولة بني أمية‏.‏

وفيها توفي فقيه أهل البصرة أيوب السختياني أحد الأعلام قال شعبة‏:‏ كان سيد الفقهاء وقال ابن عيينة‏:‏ لم ألق مثله وقال حماد بن زيد‏:‏ كان أفضل من جالسته وأشد اتباعاً للسنة وقال ابن المديني‏:‏ له نحو ثمان مائة حديث‏.‏

وفيها توفي أبو الزناد الفقيه أحد علماء المدينة وهو أبو عبد الرحمن عبدالله بن ذكوان لقي عبدالله بن جعفر وأنساً‏.‏

قال الليث‏:‏ رأيت أبا الزناد حلقه ثلاث مائة تابع من طالب فقه وعلم وشعر وصوف تم لم يلبث أن بقي وحده وأقبلوا على ربيعه وكذا ربيعة أقبلوا على مالك وتركوه صدق الله العظيم‏:‏ ‏"‏ وتلك الأيام نداولها بين الناس ‏"‏ - آل عمران‏:‏ 140 - قال أبو حنيفة‏:‏ و كان أبو الزناد أفقه من ربيعة‏.‏

وفيها توفي واصل بن عطاء المعتزلي المعروف بالغزال أحد أئمة المعتزلة كان من البلغاء المتكلمين في العلوم وكان ألثغ يبدل الراء غيناً‏.‏قال المبرد‏:‏ كان أحد الأعاجيب وذلك أنه كان قبيح اللثغة في الراء وكان يخلص كلامه من الراء ولا يلقن لذلك لقتداره على الكلام وسهولة ألفاظه وفي ذلك يقول بعض الشعراء‏:‏ عليهم بإبدال الحروف وقامع لكل خطيب يغلب الحق باطله وقال آخر‏:‏ ويجعل البر قمحاً في تصرفه وخالف الراء حتى احتال للشعر ولم يطق مطراً والقول يجعله فعاد بالغيث إشفاقاً من المطر وذكر السمعاني في كتاب الأنساب‏:‏ ان واصل بن عطاء كان يجلس إلى الحسن البصري فلما ظهر الاختلاف‏:‏ و قالت الخوارج بتكفير مرتكب الكبائر وقالت الجماعة بأنهم مؤمنون وإن فسقوا بالكبائر خرج واصل بن عطاء من الفريقين وقال‏:‏ ان الفاسق من هذه الأمة لا مؤمن ولا كافر منزلة بين منزلتين فطرده الحسن عن مجلسه واعتزل عنه وجلس إليه عمرو بن عبيد فقيل لهم المعتزلة‏.‏

قال وكان واصل بن عطاء يضرب به المثل في اسقاطه حرف الراء من كلامه واستعمل الشعراء ذلك في شعرهم كثيراً فمنهم قول أبي محمد الخازن في قصيدة يمدح بها الصاحب بن عباد‏.‏

نعم تجنبت لايوم العطاء كما تجنب ابن عطاء لفظة الراء وقال آخر‏:‏ أعد لثغة لو أن واصل حاضر يسمعها ما أسقط الراء واصل و قال آخر‏:‏ أجعلت وصل الراء لم ينطق به وقطعتني حتى كأنك واصل ولقد أحسن في قوله‏:‏ و قطعتني حتى كأنك واصل حسبنا بالغاً عند من يفهم المعاني الحسان وقد عمل الشعراء في هذه اللثغة كثيراً ففي ابدال ااثاء من السين ما يعزى إلى أبي نواس من قوله‏:‏ بات يعاطبني سخامية فقال لي‏:‏ قد هجع الناث أما ترى حيشاً كليلتنا زينها الذيران والآث فعدت من لثغة الثغا فقلت‏:‏ اين الطاث والكاث قوله سخامية هو بضم السين المهملة والخاء المعجمة وبعد الميم مثناة من تحت وهي‏:‏ الحمر اللينة السلسلة‏.‏

قلت وما سمعت من بعض شيوخنا في هذا المعنى‏:‏ والثغ سألته عن اسمه فقال لي إثمي عباث فعدت من لثغة الثغا فقلت‏:‏ اين الطاث والكاث وقال المبرد في كتاب الكامل‏:‏ لم يكن واصل بن عطاء غزالاً ولكن كان يلقب بذلك لأنه كان يلزم الغزالين ليعرف المنقطعات من النساء فيجعل صدقته لهن قال‏:‏ و كان طويل العنق وله عدة تصانيف في علم الكلام وغيره وأقواله في الا‏!‏ عتقاد في كتب الأصول‏.‏

وفي السنة المذكورة توفي عبدالله بن يحيى بن أبي يحيى المكي المقري صاحب مجاهد‏.‏

وفيها توفي السيد الكبير الوالي الشهير أحد زهاد البصرة العابدين الشيوخ المباركين من السلف الصالح فرقد السبخي كان هو ومحمد بن واسع ومالك بن دينار وحبيب العجمي وثابت البناني وصالح المري متصاحبين رحمهم الله حدث عن أنس رضي الله عنه‏.‏

وفيها توفي متصور بن زاذان شيخ البصرة وزاهدها وعابدها روى عن أنس وجماعة وكان يصلي من بكرة إلى العصر ثم يسبح إلى الغروب‏.‏

وفيها توفي همام بن منبه اليماني صاحب أبي هريرة قال أحمد‏:‏ كان يعرف بمجالس أبي هريرة وكان يشتري الكتب لأخيه وهب‏.‏

 سنة اثنتين وثلاثين ومائة

فيها ابتداء دولة بني العباس حتى بويع السفاح أبو العباس عبدالله بن محمد بالكوفة وجهز عمه عبدالله بن علي لمحاربة مروان فزحف إليه مروان إلى أن نزل بقرب الموصل فالتقوا في جمادى الآخرة فانكسر مروان واستولى عبدالله بن علي على الجزيرة وطلب الشام فهرب مروان إلى مصر وخذل وانقضت أيامه‏.‏

فنزل عبدالله على دمشق وحاصرها وبها ابن عم مروان الوليد بن معاوية بن مروان فأخذت بالسيف وقتل بها من الأمويين عدة ألوف منهم أميرها الوليد وسليمان بن هشام بن عبد الملك وسليمان بن يزيد بن عبد الملك‏.‏

وفيها توفي عبدالله بن طاوس اليماني النحوي روى عن أبيه قال معمر‏:‏ كان من أعلم الناس بالعربية وأحسنهم خلقاً ما رأيت ابن فقيه مثله‏.‏

وروي أن أمير المؤمنين أبا جعفر المنصور استدعى عبدالله بن طاوس ومالك بن أنس فلما دخل عليه أطرق ساعة ثم التفت إلى ابن طاوس فقال له‏:‏ حدثني عن أبيك فقال حدثني أبي أن أشد الناس عذاباً يوم القيامة رجل أشركه الله في سلطانه فأدخل عليه الجور في حكمه فأمسك أبو جعفر ساعة قال مالك قصرت ثيابي خوفاً أن يصيبني دمه ثم قال له المنصور‏:‏ ناولني تلك الدواة‏.‏

ثلاث مرات فلم يفعل فقال‏:‏ لم لا تناولني فقال‏:‏ اخاف أن تكتب بها معصية فأكون قد شاركتك بها فلما سمع ذلك قال‏:‏ قوما عني قال‏:‏ ذلك ما كنا نبغي قال مالك‏:‏ فما زلت أعرف لابن طاوس فضيلة من ذلك اليوم‏.‏

وفيها توفي الإمام الحافظ أبو عتاب منصور بن المعتمر السلمي الكوفي أحد العلماء أخذ من أبي وائل وكبار التابعين وقال ما كتبت حديثاً قط وقال عبد الرحمن بن مهدي‏:‏ لم يكن بالكوفة أحفظ منه‏.‏وقال زائدة‏:‏ صام منصور أربعين سنة وقام ليلها‏.‏

وكان يبكي الليل كله وقيل كان قد عمش من البكاء وأكره على قضاء الكوفة فقضى شهرين ومناقبه كثيرة شهيرة‏.‏

وتوفي بالمدينة إسحاق بن عبدالله بن أبي طلحة الأنصاري الفقيه وكان مالك لا يقدم عليه أحداً‏.‏

وفيها توفي أبو عبيدالله صفوان بن سليم المدني الفقيه القدوة روى عن ابن عمرو جابر وجماعة قال أحمد بن خنبل‏:‏ ثقة من خيار عباد الله يستنزل بذكره القطر‏.‏

وفيها توفي يونس بن ميسرة المقري الأعمى عاش مائة وعشرين سنة روى عن الكبار وكان موصوفاً بالفضل والزهد كبير القدر وقتل الأمير محمد بن عبد الملك بن مروان والأمير أبو خالد يزيد بن عمر بن هبيرة الفزاري أمير العراقين لمروان وله خمس وأربعون سنة وكان شهماً شجاعاً خطيباً مفوهاً مفرط الأكل واقع بني العباس فهزموه وتحصن بواسط فحاصره أبو جعفر المنصور أخو السفاح مدة ثم أمنه وغدر به وقال لا يغير ملك وهذا فيه فقتله وهو معدود من جملة من جمع له العراقان فكان أولهم زياد ابن أبيه استخلفه معاوية وآخرهم يزيد المذكور ولم يجمعا لأحد بعده‏.‏

وقيل بل أن أبا مسلم الخراساني وصل إلى السفاح يحضه على قتله ويقول‏:‏ طريق السهل لا يصلح أن يكون فيها حجر وكان يركب في موكب كبير وعسكر كثر إذا جاء إلى أبي جعفر المنصور فمنع من ذلك فصار يأتي في نفر يسير ثم صار يأتي في ثلاثة ولما قتل رثاه أبو عطاء السندي بقوله‏:‏ ألا إن عينا لم تجد يوم واسط عليك يجاري دمعها بجمود عشية قام النائحات وشققت جيوبها بأيدي مأتم وخدود وكان قد قاتل دونه ولده داود فقتل مع جماعة من أصحابه ثم قتل هو ساجد لله تعالى‏.‏

وذكر بعض المؤرخين أنه لما طال حصار ابن هبيرة ثبت معن بن زايدة معه وكان أبو جعفر المنصور يقول‏:‏ ابن هبيرة يخندق على نفسه مثل النساء وبلغ ابن هبيرة ذلك فأرسل أليه المنصور‏:‏ انت القائل كذا ابرز إلي لترى فأرسل إليه ما أجد لي ولك مثلاً إلا كالأسد لقي خنزيراً فقال له الخنزير بارزني‏:‏ فقال الأسد ما أنت بكفؤ لي فإن بارزتك فنالذي منك سوء كان عاراً علي وإن قتلتك قتلت خنزيراً فلم أحصل على حمد ولا في قتلك فخر فقال الخنزير‏:‏ لئن لم تبارزني لأعرفن السباع أنك جبنت عني فقال الأسد‏:‏ احتمالي لذلك أيسر من تلطيخ براثني بدمك‏.‏

ثم إن المنصور كاتب القواد وفهم ابن هبيرة فطلب الصلح فأجابه‏.‏

وقال له ابن هبيرة يوماً إن دولتكم بكر فأذيقوا الناس حلاوتها وجنبوهم مرارتها تصل محبتكم إلى قلوبهم ويعذب ذكركم على ألسنتهم وما زلنا منتظرين لدعوتكم‏.‏

وكان بينهما ستر فرفعه المنصور وقال في نفسه‏:‏ عجباً لمن يأمرني بقتل هذا فصار ابن هبيرة يتردد إليه ويتغذى ويتعشى عنده وبالغ السفاح في حث أبي جعفر في قتله وعنف عليه إن لم يفعل وهو يمتنع من ذلك فلم يزل به إلى أن أمر بقتله كما تقدم بإشارة أبي مسلم الخراساني صاحب الدعوة العباسية‏.‏

قال ابن عساكر‏:‏ كان ابن هبيرة إذا أصبح أتي بقدح كبير من لبن قد حلب على عسل أحياناً بسكر فيشربه بعد طلوع الشمس ويدعوا بالغداء فيأكل دجاجتين وفرخي حمام ونصف جدي وألواناً من اللحم ثم يخرج فينظر في أمور الناس إلى نصف النهار ثم يدخل فيدعوا بالغداء فيأكل ويعظم اللقم ويتابعها ومعه جماعة من الأعيان فإذا فرغوا من الأكل تفرقوا ثم دخل إلى نسائه ثم يخرج إلى صلاة الظهر وينظر في أمور الناس فإذا صلى العصر وضع له سرير ووضعت للناس كراسي فإذا أخذوا مجالسهم أتوهم بأقداح اللبن والعسل وأنواع الأشربة ثم يوضع الأطعمة والسفرة للعامة ويوضع له ولأصحابه خوان مرتفع فيأكل معه الوجوه إلى المغرب ويسامره سماره حتى يذهب عامة الليل وكان يسأل كل ليلة عشر حوائج فإذا أصجح قضيت وكان رزقه ست مائة ألف وكان يقسم في كل شهر في أصحابه ووجوه الناس وأهل البيوتات‏.‏

وفيها قتل مروان بن محمد بن مروان الخليفة وهو الملقب بالجعد عبر الذيل طالباً الحبشة فلحقه صالح بن علي عم السفاح وبيته ببوصير فقاتل حتى قتل وكان بطلاً شجاعاً ظالما أشهل العينين كثير اللحية أبيض ربعة عاش بضعاً وخمسين سنة ذكره بعضهم فقال‏:‏ لله دره ما كان أحزمه وأسوسه وأعفه عن الغي‏.‏

وقتل معه أخ لعمر بن عبد العزيز كان أحد الفرسان ولكن تقنطر به فرسه فقتله‏.‏

وفيها توفي الأمير سليمان بن كثير الخزاعي المروزي أحد نقباء بني العباس قتله أبو مسلم الخراساني وقتل بمصر عبدالله بن أبي جعفر الليثي مولاهم البصري الفقيه أحد العلماء وا لزهاد‏.‏

وفيها وقيل في سنة ثمان وعشرين وقيل ثلاثين ومائة توفي أبو جعفر يزيد ابن القعقاع القارىء مولى عبدالله بن عياش بن أبي ربيعة المخزومي اخذ القراءة عرضاً عن ابن عباس وعن مولاه عبدالله بن عياش وعن أبي هريرة وسمع عبدالله بن عمر ويقال قرأ على زيد بن ثابت وروى القراءة عنه عرضاً نافع بن عبد الرحمن وسليمان بن مسلم وغيرهما وكان يقرأ بالمدينة الشريفة وقيل هو مولى أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكان من أفضل الناس وكان بياض بين نحره وفؤاده قيل هو نور القرآن ورؤي بعد موته في المنام وهو على ظهر الكعبة بخبر أنه من الشهداء الكرام رحمة الله عليهم‏.‏

 سنة ثلاث وثلاثين ومائة

فيها بعث أبو مسلم الخراساني مرار الضبي فقتل الوزير أبا مسلمة السبيعي مولاهم الكوفي وفيه قيل هذا البيت‏:‏ إن الوزير وزير آل محمد أودى فمن يسأل كان وزيرا وفيها توفي أبو أيوب بن موسى الأموي المكي الفقيه روى عن عطاء ومكحول‏.‏

وفيها مات بمكة الأمير داود بن علي بن عبدالله بن عباس وكان فصيحاً مفوهاً‏.‏

وفيها أو في الماضية توفي يحيى بن يحيى بن قيس الغساني سيد أهل دمشق في وقته‏.‏

وفيها توفي مغيرة بن مقسم الضبي مولاهم الكوفي الفقيه الأعمى أحد الأئمة وعمر بن أبي سلمة على ما ذكر بعضهم‏.‏

 سنة أربع وثلاثين ومائة

فيها تحول الخليفة السفاح عن الكوفة ونزل الأنبار وفيها توفي الفقيه يزيد بن يزيد بن جابر الأزدي الدمشقي روى عن مكحول وطائفة وقال أبو داود‏:‏ اجازه الوليد بن يزيد مرة بخمسين ألف دينار وذكر القضاء فإذا هو أكبر من القضاء وفيها توجه من العراق موسى بن كعب إلى حرب منصور بن جمهور الكلبي الدمشقي فالتقى منصوراً في اثني عشر ألفاً فهزم منصور ومات في البرية عطشاً وكان قدرياً‏.‏

 سنة خمس وثلاثين ومائة

فيها توفي أبو العلاء برد بن سنان الدمشقي نزيل البصرة وأبو عقيل زهرة بن معبد التيمي بالاسكندرية قال الدارمي زعموا أنه من الأبدال‏.‏

وفيها توفي عبدالله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري المدني شيخ مالك والسفيانين‏.‏روى عن أنس وجماعة وكان كثير العلم‏.‏

وفيها توفي عطاء الخراساني نزيل بيت المقدس وهو كثير الارسال عن الصحابة قال ابن جابر كنا نغزو معه وكان يحيي الليل صلاة إلا نومة السحر وكان يعظنا ويحضنا على التهجد‏.‏

وفيها توفيت السيدة الولية ذات المقامات العلية والأحوال السنية رابعة ابنة إسماعيل العدوية الشهيرة الفضل البصرية على ما ذكره ابن الجوزي في شذور العقود وقال غيره‏:‏ توفيت في سنة خمس وثمانين يعني ومائة قلت وليس صحيحاً قول من ذكر لها حكاية مع السري السقطي فإنه عاش حتى نيف على خمسين ومائتين من الهجرة‏.‏

قال الأستاذ أبو القاسم القشيري في رسالته كانت تقول في مناجاتها‏:‏ الهي تحرق بالنار قلباً يحبك فهتف بها هاتف مرة‏:‏ ما كنا نفعل هذا فلا تظنني بنا ظن السوء‏.‏وقال عندها يوماً سفيان الثوري‏:‏ و احزناه فقالت‏:‏ لا تكذب بل قل‏:‏ و اقلة حزناه‏.‏

لو كنت محزوناً لم يتهيأ لك أن تتنفس‏.‏

وروي أنها سمعته مرة يقول‏:‏ اللهم إنا نسألك رضاك‏.‏فقالت‏:‏ اما تستحي أن تسأل رضا من لست عنه براض‏.‏قلت ومثل هذا ما أخبرني بعض أهل العلم قال‏:‏ سمعني الشيخ عمر الهوري وأنا أقول في الملتزم‏:‏ الهي إني أسألك رضاك فقال لي‏:‏ يا فقيه لقد تجرأت انا منذ ثلاثين سنة ما جسرت أدعو الله تعالى بهذا الدعاء‏.‏

وقالت رابعة‏:‏ استغفارنا هذا يحتاج إلى استغفار وقال بعضهم كنت أعود الرابعة العدوية فرأيتها في المنام تقول‏:‏ هداياك تأتينا على أطباق من نور مخمر بمناديل من نور وكانت تقول‏:‏ ما ظهر من أعمالي لا أعده شيئاً‏.‏

ومن وصاياها اكتموا حسناتكم كما تكتمون سيآتكم وأورد لها الشيخ شهاب الدين السهروردي في عوارف المعارف‏.‏

إني جعلتك في الفؤاد محمدي وأبحت جسمي من أراد جلوسي فالجسم مني للجليس مؤانس وتجيب قلبي في الفؤاد أنيسي قال ابن خلكان قبرها على رأس جبل يسمى الطور بظاهر القدس‏.‏

قلت وسمعت من بعض أهل بيت المقدس يذكر أن المدفونة في الجبل المذكور رابعة أخرى غير العدوية والله أعلم‏.‏

وروى ابن الجوزي بسند له متصل إلى عبدة خادمة رابعة العدوية قالت‏:‏ كانت رابعة تصلي الليل كله فإذا طلع الفجر هجعت في مصلاها هجعة خفيفة حتى يسفر الفجر فكنت أسمعها تقول إذا وثبت من مرقدها ذلك وهي فزعة يا نفس إلى كم تنامين وإلى كم تقومين يوشك أن تنامي نومة لا تقومين منها إلا لصرخة يوم النشور وكان هذا دأبها دهرها حتى ماتت‏.‏

ولما حضرتها الوفا دعتني وقالت‏:‏ يا عبدة لا تؤذني بموتي أحداً وكفني في جبتي هذه جبة من شعر كانت تقوم فيها إذا هدأت العيون قالت‏:‏ فكفناها في تلك الجبة وفي خمار صوف كانت تلبسه ثم رأيتها بعد ذلك بسنة أو نحوها في منامي عليها حلة استبرق وخمار من سندس أخضر لم أر قط شيئاً أحسن منه فقلت‏:‏ يا رابعة ما فعلت الجبة التي كفناك فيها وخمار الصوف قالت‏:‏ انه والله نزع عني وأبدلت به ما ترينه علي وطويت أكفاني وختم عليها ورفعت في عليين يكمل لي بها ثوابها يوم القيامة فقلت لها‏:‏ لهذا كنت تحملين أيام الدنيا فقالت وما هذا عند ما رأيت من كرامة الله عز وجل لأوليائه فقلت لها‏:‏ و ما فعلت عبيدة بنت أبي كلاب فقالت‏:‏ هيهات هيهات‏.‏

والله سبقتنا إلى الدرجات العلى‏.‏

فقلت‏:‏ و بم وقد كنت عند الناس أكبر منها قالت‏:‏ انها لم تكن تبالي على أي حال أصبحت على الدنيا أو أمست فقلت لها ما فعل أبو مالك أعني ضيغما قالت‏:‏ يزور الله عز وجل متى شاء‏.‏

فقلت فما فعل بشربن منصور قالت‏:‏ بخ بخ أعطي والله فوق ما كان يؤمل‏.‏

قلت فمريني بأمر أتقرب به إلى الله عز وجل قالت‏:‏ عليك بكثرة ذكره يوشك أن يعطي بذلك في قبرك‏.‏

 سنة ست وثلاثين ومائة

فيها توفي حصين بن عبد الرحمن السلمي الكوفي الحافظ عن ثلاث وتسعين سنة وربيعة بن أبي عبد الرحمن الفقيه أبو عثمان عالم المدينة ويقال له ربيعة الرأي سمع أنساً وابن المسيب وكانت حلقة الفتوى أخذ عنه مالك‏.‏

قال عبيدالله بن عمر العمري‏:‏ هو صاحب معضلاتنا وعالمنا وأفضلنا وذكروا أنه أدرك جماعة من الصحابة‏.‏

وقال بكر بن عبدالله الصنعاني أتيت مالك بن أنس فجعل يحدثنا عن ربيعة فكنا نستزيده من حديث ربيعة فقال لنا يوماً‏:‏ ما تصنعون بربيعة وهو او قال‏:‏ ها هو نائم في ذلك الطاق فأتينا ربيعة وقلنا له‏:‏ انت ربيعة قال‏:‏ نعم قلنا‏:‏ انت الذي يحدث عنك مالك بن أنس قال‏:‏ نعم قلنا كيف حظي بك مالك وأنت لم تحظ بنفسك قال أما علمتم أن مثقالاً من دولة خير من حمل علم‏.‏

وكان يوماً يتكلم في مجلسه فوقف عليه أعرابي فأطال الوقوف والإنصات إلى كلامه فظن ربيعة أنه قد أعجبه كلامه فقال‏:‏ يا أعرابي عندكم قال‏:‏ الإيجاز مع اصابة المعنى فقال‏:‏ و ما المعنى قال ما أنت فيه منذ اليوم فخجل ربيعة‏.‏

وتوفي في الهاشمية مدينة بناها السفاح بأرض الأنبار وكان يسكنها ثم ينتقل إلى الأنبار‏.‏

قال مالك بن أنس في ما حكى ابن خلكان‏:‏ ذهبت حلاوة الفقه منذ مات ربيعة الرأي رحمة الله عليه‏.‏

وفيها توفي زيد بن أسلم العدوي مولاهم الفقيه العابد لقي ابن عمر وجماعة وكانت له حلقة الفتوى والعلم بالمدينة‏.‏

قال أبو حازم‏:‏ لقد رأينا في حلقة زيد بن أسلم أربعين فقيهاً ادنى خصلة فينا التواسي بما في أيدينا ونقل البخاري‏:‏ ان زين العابدين علي بن حسين بن علي كان يجلس إلى زيد بن أسلم‏.‏

وفيها توفي أبو العباس السفاح عبدالله بن محمد الخليفة العباسي أول خلفاء بني العباس كانت دولته خمس سنين وكان طويلاً أبيض جميلاً حسن اللحية مات بالجدري في الأنبار‏.‏

وفيها توفي العلاء بن الحارث الحضرمي الفقيه الشامي صاحب مكحول روى عن عبدالله بن بسر بضم الموحدة وسكون المهملة وطائفة وكان ثقة نبيلاً مفتياً جليلاً‏.‏

وفيها توفي عطاء بن السائب الثقفي الكوفي الصالح روى عن عبدالله بن أبي أوفى الصحابي وطائفة قال أحمد بن حنبل‏:‏ هو رجل صالح كان يختم كل ليلة من سمع منه قديماً كان صحيحاً‏.‏

في أولها بلغ عبدالله بن علي موت ابن أخيه السفاح فدعا إلى نفسه بالإسلام وعسكر وزعم أن السفاح عهد إليه بالأمر وأقام شهوداً بذلك فجهز أبو جعفر المنصور لحربه أبا مسلم الخراساني فالتقى الجمعان بنصيبين في جمادى الآخرة فاشتد القتال ثم انهزم جيش عبدالله وهرب هو إلى البصرة وبها أخوه وحاز أبو مسلم خزائنه وكانت خزائن عظيمة لأنه كان قد استولى على جميع أموال بني أمية فبعث المنصور إلى أبي مسلم أن احتفظ بما في يدك فصعب ذلك على أبي مسلم وعزم على خلع المنصور وسار نحو خراسان فأرسل إليه المنصور يستعظمه ويمنيه وما زال به حتى ظفر به فقتل في شعبان ولما حج أبو مسلم المذكور أمر منادياً في طريق مكة‏:‏ برئت الذمة من رجل أوقد ناراً في عسكر الأمير‏.‏

فلم يزل يغديهم ويعشيهم حتى بلغ مكة وأوقف في المسعى خمس مائة وصيف على رقابهم المناديل يسقون الأشربة من سعى من الحاج بين الصفا والمروة ولما وصل الحرم نزل وخلع نعليه ومشى حافياً تعظيماً للحرم وهو أبو مسلم عبد الرحمن بن مسلم صاحب دعوة بني العباس منشىء دولتهم خل خراسان وهو شاب فما زال يتحيل بإعانة وجوه شيعة بني العباس ونقبائهم حتى وثب على مرو فملكها‏.‏وحاصل الأمر أنه خرج من خراسان بعد أن حكم عليها وضبطها فقاد جيشاً هائلاً ومهد لبني العباس بعد أن قتل خلقاً لا يحصون محاربة وصبراً قيل كان حجاج وذكروا أن أباه رأى في المنام أنه جلس للبول فخرج من إحليله نار وارتفعت في السماء وسدت الآفاق وأضاءت الأرض ووقعت بناحية المشرق فقص رؤياه على عيسى بن معقل فقال‏:‏ ان في بطن جاريتك غلاماً يكون له شأن أو كما قال ثم فارقه ومات فوضعت الجارية أبا مسلم ونشأ عند عيسى فلما ترعرع اختلف مع ولده إلى المكتب فخرج أديباً لبيباً يشار إليه في صغره ثم إنه اجتمع على عيسى بن معقل وأخيه ادريس جد أبي دلف العجلي بقايا من الخراج تقاعدا من أجلها من حضور مؤدي الخراج بأصفهان فأنهى عامل أصفهان خبرهما إلى خالد بن عبدالله القسري وإلى العراقين فأنقذ من الكوفة من حملهما إليه فتركهما في السجن فصادفا فيه عاصم بن يونس العجلي محبوساً ببعض الأسباب وقد كان عيسى بن معقل أرسل أبا مسلم إلى قرية من رستاق‏.‏

فابق لاحتمال غلتها فلما بلغه أن عيسى حبس باع ما كان احتمله من الغلة وأخذ ما اجتمع عنده من ثمنها ولحق بعيسى فأنزله عيسى في بني عجل وكان يختلف إلى السجن ويتعهد عيسى وإدريس ابني معقل وكان قد قدم الكوفة جماعة من نقباء الإمام محمدبن علي بن عبدالله بن عباس بن عبدالمطلب مع عدة من شيعته فدخلوا على العجليين السجن مسلمين فصادفوا أبا مسلم عندهم فأعجبهم عقله ومعرفته وأدبه وكلامه ومال هو إليهم ثم إنه عرف أمرهم وأنهم دعاة واتفق مع ذلك هرب عيسى وادريس من السجن فعدل أبو مسلم من دور بني عجل إلى هؤلاء النقباء ثم خرج معهم إلى مكة حرسها الله تعالى فأورد النقباء على إبراهيم بن محمد بن علي وقد تولى الإمامة بعد وفاة أبيه عشرين دينار ومائتي ألف درهم وأهدوا إليه أبا مسلم فأعجب به وبمنطقه وعقله وأدبه فأقام أبو مسلم عنده يخدمه حضراً أو سفراً‏.‏

ثم إن النقباء عادوا إلى إبراهيم الإمام وسألوه رجلاً يقوم بأمر خراسان فقال‏:‏ إني قد جربت هذا الأصفهاني وعرفت ظاهره وباطنه فوجدته حجر الأرض‏.‏

ثم دعا أبا مسلم وقلده الأمر وأرسله إلى خراسان وكان من أمره ما كان وكان أبو مسلم يدعو الناس إلى رجل من بني هاشم وأقام على ذلك سنين وفعل في خراسان وتلك البلاد ما هو مشهور فلا حاجة للإطالة بذكره‏.‏

وكان مروان بن محمد آخر ملوك بني أمية يحتال على الوقوف على حقيقة الأمر وإن أبا مسلم إلى من يدعو فلم يزل على ذلك حتى ظهر له أن الدعاء لإبراهيم الإمام وكان مقيماً عند أهله وإخوته فأرسل إليه وقبض عليه وأحضر مالي حران فأوصى إبراهيم بالأمر بعده لأخيه السفاح ولما وصل إبراهيم إلى حران حبسه مروان بها ثم غمه بجراب طرح فيه نؤرة وجعل فيه رأسه وسد عليه إلى أن مات‏.‏

ثم سار أبو مسلم يدعو الناس إلى أبي العباس السفاح وكان بنو أمية يمنعون بني هاشم من نكاح الحارثيات لما رأوا في ذلك عن سلفهم أن هذا الأمر يتم لابن الحارثيه فلما قام عمر بن عبد العزيز بالأمر أتاه محمد وقال‏:‏ اني أردت أن أتزوج ابنة خالي من بني الحارث بن كعب افتأذن لي قال تزوج من شئت فتزوج ريطة بنت عبدالله منهم فأولدها السفاح فتولى الخلافة‏.‏وذكر الزمخشري في كتاب ربيع الأبرار أن أبا مسلم نهض بالدعوة وهو ابن ثمان عشرة سنة وقيل هو ابن ثلاث وثلاثين فإنه كان عظيم القدر يلقاه القاضي ابن أبي ليلى المشهور فقبل يده فقيل له في ذلك فقال‏:‏ قد لقي أبو عبيدة بن الجراح عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما وقبل يده فقيل له‏:‏ اتشبه أبا مسلم بعمر فقال‏:‏ اتشبهونني بأبي عبيدة‏.‏

وكان أول ظهور أبي مسلم بمرو من خراسان في سنة تسع وعشرين ومائة والوالي بها يومئذ من جهة مروان نصر بن سيار الليثي وكتب إليه قول ابن هريم البجلي الكوفي‏.‏

أرى خلل الرماد وبيص نار ويوثسك أن يكون لها ضرام فإن النار بالزندين توري وإن الحرب أولها كلام لئن لم يطفها عقلاء قوم يكون وقودها جثث وهام أقول من التعجب ليت شعري أأيقاظ أمية أم نيام فإن كانوا لحينهم نياماً فقل قوموا فقد حان القيام فهذا مثل ما يحكى من قول بعضهم لما خرج محمد بن عبدالله بن الحسن وأخوه إبراهيم علي أبي جعفر المنصور‏.‏

وقد رقدت والعباس عنها وباتت وهي آمنة رتاع كمارقدت أمية ثم هبت تدافع حين لا يغنى الدفاع وفي سنة اثنتين وثلاثين ومائة وثب أبو مسلم على مقدم خراسان فقتله وقعدا في الدست وسلم عليه بالأمرة وخطب ودعا للسفاح وانقطعت ولاية بني أمية عن خر اسان‏.‏

ولما مات السفاح وتولى أخوه أبو جعفر المنصور صدرت عن أبي مسلم إساءات وقضايا غيرت قلب المنصور عليه فعزم على قتله وقتله كما تقدم‏.‏

وقيل إن منصوراً قال لسالم بن قتيبة بن مسلم الباهلي‏:‏ ما ترى أبي مسلم فقال‏:‏ ‏"‏ لو كان فيهما الهة إلا الله لفسدتا ‏"‏ - الأنبياء‏:‏ 22 - فقال‏:‏ حسبك يا بن قتيبة لقد أودعتها أذناً واعية‏.‏

وكان أبو مسلم ينظر في كتب الملاحم ويجد خبره فيها وأنه مميت دولة ومحيي دولة وأنه يقتل ببلاد الروم كان المنصور يومئذ برومية المدائن التي بناها كسرى ولم يخطر لأبي مسلم أنها موضع قتله بل راح وهمه إلى بلاد الروم وكانت رومية المذكورة قد بناها الإسكندر ذو القرنين لما أقام بالمدائن وكان قد طاف الأرض شرقاً وغرباً ولم يختر منها منزلاً سوى المدائن فنزلها وبنى رومية المذكورة على ما ذكروا والله أعلم‏.‏

فلما عاد أبو مسلم من سفر حجه المتقدم ذكره دخل على المنصور فرحب به ثم إمره بالانصراف إلى مخيمه وانتظر المنصور فيه الغرض والغوائل ثم إن أبا مسلم ركب إليه مراراً فأظهر له التحني ثم جاءه يوماً فقيل له أنه يتوضأ للصلاة فقعد تحت الرواق ورتب له المنصور جماعة يقفون وراء السرير فإذا عاتبه وضرب يداً على يد ظهروا وضربوا عنقه ثم جلس المنصور وأذن له فدخل وسلم فرد وأمره بالجلوس وحادثه ثم عاتبه وقال‏:‏ فعلت وفعلت فقال أبو مسلم‏:‏ ما يقال هذا بعد بيعتي واجتهادي وما كان مني فقال له‏:‏ يا ابن الخبيثة إنما فعلت ذلك تحرياً وحفظاً ولو كان مكانك أمة سوداء لعملت عملك‏.‏

ألست الكاتب إلي تبدأ بنفسك قبلي ألست الكاتب يخطب عني آسية وتزعم أنك من ولد سليط بن عبدالله بن عباس لقد ارتقيت لا أم لك مرتقى صعباً فأخذ أبو مسلم بيده يعركها ويقبلها ويعتذر إليه فقال له المنصور‏:‏ و هو آخر كلامه قتلني الله إن لم أقتلك ثم صفق بإحدى يديه على الأخرى فخرج إليه القوم وخبطوه بسيوفهم والمنصور يصيح اضربوا قطع الله أيديكم وكان أبو مسلم قد قال عند أول ضربة استبقني يا أمير المؤمنين لعدوك فقال لا أبقاني الله أبداً وأي عدو أعدى منك ولما قتله أدرجه في بساط فدخل عليه جعفر بن حنظلة فقال له المنصور‏:‏ ما تقول في أمر أبي مسلم فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين إن كنت أخذت من رأسه شعرة فاقتل ثم اقتل ثم اقتل فقال له المنصور وفقك الله ها هو في البساط فلما نظر إليه قتيلاً قالى‏:‏ يا أمير المؤمنين عد هذا اليوم أول خلافتك ثم أقبل المنصور على من حضره وأبو مسلم طريح بين يديه وأنشد‏.‏

اشرب بكأس كنت تسقي بها أمر في الحلق من العلقم وكان المنصور بعد قتله كثيراً ما ينشد جلساؤه نظماً لبعضهم من جملته‏.‏

وأقدم لما لم يجد عنه مذهباً ومن لم يجد بداً من الأمر أقدما قيل ومن ها هنا أخذ البحتري قوله في مدح الفتح بن خاقان صاحب المتوكل على الله ولقد لقي أسداً على طريقه فلم يقدم عليه ثم أقدم عليه فقتله الفتح والمقصود منها قوله‏:‏ فأحجم لما لم يجد فيك مطمعاً وأقدم لما لم يجد منك مهربا واختلف في نسب أبي مسلم‏:‏ فقيل من العرب وقيل من العجم وقيل من الأكراد وفي ذلك يقول أبو دلامة‏:‏ أبا مخرم ما غير الله نعمة على عبده حتى يغيرها العبد أفي دولة المنصور حاولت غدرة ألا إن أهل الغدر أباؤك الكرد أبا مخرم خوفت بالقتل فاتحاً عليك بما خوفتني الأسد الورد ووصف المدائني أبا مسلم فقال كان قصير السمر جميلاً حلواً أنقى البشرة أحور العين عريض الجبهة حسن اللحية وافرها طويل الشعر قصير الساق والفخذ خافض الصوت فصيحاً بالعربية والفارسية حلو المنطق راوية للشعر عالماً بالأمور ولم يرى ضاحكاً ولا مازحاً إلا في وقته ولا يكاد يقطب في شيء من أحواله تأتيه الفتوحات العظام فلا يظهر عليه أثر السرور وتنزل به الحوادت القادحة فلا يرى مكتئباً وإذا غضب لم يستقره الغضب ولا يأتي النساء في السنة إلا مرة وكان من أشد الناس غيرة وقيل له‏:‏ بم بلغت ما بلغت فقال‏:‏ ما أخرت أمر يومي إلى غد قط‏.‏

وفيها قتل أحد الأشراف بدمشق وهو عثمان بن سراقة الأزدي وكان قد وثب عند موت السفاح وسب بني العباس على منبر دمشق وأقام قي الخلافة هاشم بن يزيد بن خالد بن يزيد بن معاوية فبعثهم يحيى بن صالح عم السفاح فلم يقووا لحربه واختفى هاشم وضرب عنق ابن سراقة‏.‏